غطرسة العقل التقطعي ريتشارد داوكنز - الملحدون التونسيون

اخر المواضيع

Home Top Ad

Post Top Ad

الخميس، 14 سبتمبر 2017

غطرسة العقل التقطعي ريتشارد داوكنز



“البشر له أولولية أكثر من كل حيوانات الغوريلا”
الإدعاء النوعاتي (أي الدعوة نحو التعصب تفضيل لنوع species على نوع species أخر) الذي يكمن هنا بسيط جداً. فالبشر هم بشر أما الغوريلا فحيوان. وهكذا فإن ثغرة لا شك تفغر فاها بين هذين النوعين بحيث إن حياة طفل بشري واحد لها قيمة أكثر من حياة كل حيوانات الغوريلا في العالم. “فقيمة” حياة الحيوان هي فحسب تكلفة التعويض عنه عند مالكه (أو في حالة الأنواع النادرة هي تكلفة التعويض عنه عند البشر). ولكننا عندما نعلق بطاقة بأسم “الهوموسابينز” (الإنسان العاقل) ولو حتى على وصلة ضئيلة من نسيج جنيني لاحس فيها فسنجد أن قيمة حياتها تقفز فجأة الى قيمة لا نهائية.
تعد هذه الطريقة في التفكير خاصية مميزة لما أود أن أسميه العقل التقطعي (discontinuous mind). نحن نتفق جميعاً على أن المرأة التي يبلغ طولها ستة أقدام إمرأة طويلة, وأن المرأة التي يبلغ طولها خمسة أقدام ليست طويلة. تغرينا الكلمات من نوع طويل وقصير بأن نضع العالم قسراً في فئات نوعية, ولكن هذا لا يعني أن العالم في حقيقته مضطرب إضطراباً فيه تقطع بثغرات. لو أن القارئ أخبرني أن طول إمرأة يبلغ خمسة أقدام وتسع بوصات, ثم طلب مني أن أقرر ما إن كان ينبغي بالتالي أن نقول عنها طويلة أو لا, سأهز كتفي وأقول “إن طولها خمسة أقدام وتسع بوصات, ألا يخبرك هذا بما تحتاج لمعرفته ؟” ولكننا بشيء من الكاريكاتير سنجد أن العقل التقطعي سيذهب الى المحاكم ليصل الى قرار (ربما بتكلفة باهضة) عما إذا كانت هذه المرأة طويلة أم قصيرة. والحقيقة أني لا أكاد أكون في حاجة لأن أقول إن الأمر فيه كاريكاتير. فقد ضلت محاكم جنوب أفريقيا طيلة سنوات تؤدي بنشاط مهمة إصدار الأحكام عما إذا كان أفراد معينون ولدوا من والدين مختلطين يعدون من البيض ؟ أو السود ؟ أو الملونين ؟ يعد نظام الفصل العنصري في الحقيقة أحد النصب التذكارية في التاريخ لإستبداد العقل التقطعي.
binoculars
العقل التقطعي موجود في كل زمان ومكان ويكون له تأثيره بوجه خاص عندما يبتلى به المحامون والمتعصبون دينياً. حدث مؤخراً بعد أن ألقيت محاضرة عامة, أن أخذ محام من الحضور في التحقيق معي. وألقى بكل ثقل ما لديه من تحذلق قانوني ليحمل على نقطة دقيقة في التطور. إذ تطور النوع (أ) الى النوع اللاحق (ب), سنجد حسب إستنتاتجه بدقة, أنه يجب أن نصل الى نقطة حيث تنتمي الأم الى النوع القديم (أ) وينتمي طفلها الى النوع الجديد (ب). والأفراد من الأنواع المختلفة لا يمكن أن يتزاوج أحدهم مع الأخر. ويواصل المحامي الحديث قائلاً أنه يطرح على أن أي طفل لا يمكن أن يختلف عن والديه إختلافاً كبيراً يجعل من غير الممكن له أن يتزاوج مع نوعه. وبالتالي, كما ينهي قوله بإنتصار, أليس هذا خطأ فادحاً في نظرية التطور ؟
إلا أن الأمر في الحقيقة, هو أننا نحن الذين نختار أن نوسم الحيوانات إلى أنواع متقطعة. ومن وجهة النظر التطورية للحياة فإنه لابد من أنه كانت هناك كائنات توسطية, حتى وإن حدث حالياً أنها عادة تكون قد إنقرضت( إنقراضها هو الأمر الذي ييسر لنا تماماً طقوس تصنيفاتنا). لكن هذه التوسطيات ليست دائماً منقرضة. وسوف يصاب هذا المحامي بالدهشة, ولعله كما أرجو يتعلم شيئاً من جراء ما يسمى “بالأنواع الحلقية”. وأشهر حالة لذلك هي حلقة نورس الرنجة / نورس الظهر الأقل سواداً. وهما في بريطانيا نوعان متميزان بوضوح, يختلفان تماماً في لونهما. ويستطيع أي فرد أن يفرق بينهما. ولكننا لو تتبعنا عشيرة نورس الرنجة غرباً حول القطب الشمالي حتى أمريكا الشمالية, ثم عن طريق الأسكا عبر سيبيريا لنعود ثانية الى أوربا, سنلاحظ حقيقة غريبة. تصبح طيور نورس الرنجة تدريجيا أقل وأقل شبها بنورس الرنجة وأكثر شبها بنورس الظهر الأقل سواداًحتى يثبت في النهاية أن طيورنا الأوربية من نورس الظهر الأقل سواداً هي بالفعل الطرف الأخر من حلقة بدأت بطيور نورس الرنجة. وسنجد في كل مرحلة مما يدور في الحلقة, أن الطيور تكون مشابهة لجيرانها بالدرجة الكافية لأن تتزاوج معها. ثم يحدث أن ينتهي المتصل الى الأطراف في أوربا. وعند هذه النقطة لا يحدث قط ن تتزاوج طيور الرنجة بطيور الظهر الأقل سواداً أحدها مع الأخر, مع أنها مرتبطة في سلسلة متصلة من زملاء يتزاوجون فيما بينهم على طول الطريق حول العالم.Untitled-465456ااااااااا
discountinous-minds
والشيء الوحيد الذي له أهمية خاصة فيما تعلق بالأنواع الحلقية التي تشبه حلقة هذه النوارس هو أن الكائنات التوسطية ما زالت حية. وكل فردين من نوعين على علاقة قرابة يكونا بالإمكان من نوع حلقي. ولا بد من أن التوسطيات كانت حية في وقت ما والأمر فحسب أننا نجدها في معظم الأحوال ميتة الأن.
discountinous-minds2
يصر المحامي حسب ما تمرس به عقله التقطعي على أن يضع الأفراد على نحو جازم إما في هذا النوع وإما في ذلك. وهو لا يسمح بوجود إمكان لأن فرداً قد يقع موضعه في المنتصف بين نوعين إثنين, أو عند عشر المسافة التي تمتد من النوع (أ) الى الى النوع (ب). هناك أيضا من يزعمون لأنفسهم أسم “أنصار الحياة” ممن يعارضون الإجهاض, هم وغيرهم ممن ينغمسون في نقاشات تافهة حول التوقيت المضبوط الذي يحد فيه للبيضة المخصبة أثناء تناميها في الرحم أن تصبح إنساناً. فهم جميعا يظهرون هكذا العقلية التقطعية نفسها. ولا فائدة ترجى من أن نخبر هؤلاء الناس أن البيضة المخصبة يمكن أن تكون عشرأ من إنسان أو ربما نصف إنسان, وذلك حسب الخصائص البشرية التي يهتم بها من يناقش بالأمر. أما بالنسبة للعقل التقطعي فإن كلمة إنسان تعني مفهوما مطلقياً Absolutist ولا يمكن أن توجد مقاييس بالنصف. وينبع من هذا شر كثير.
prolifevsprochoice
تعني كلمة القردة العليا عادة حيوانات الشمبانزي والغوريلا والأورانج أوتان و الجيبون والسيامنج. ونحن نقر جميعاً بأننا نشبه القردة العليا, ولكننا نادراً ما ندرك أننا بالفعل قردة عليا. وقد وجد السلف المشترك بيننا وبين الشمبانزي والغوريلا في وقت أحدث كثيراً من سلف هذين الأخيرين المشترك مع القردة العليا الأسيوية – أي الجيبون والأورانج أوتان. ولا توجد في الطبيعة مرتبة تشمل الشمبانزي والغوريلا والأورانج أوتان ولكنها تستبعد البشر البشر منها. وعندما تؤخذ مرتبة القردة العليا على أنها تستعبد البشر, كما يحدث تقليديا, سيتضح لنا زيف المرتبة هكذا كما يثبت من الشكل التوضيحي التالي تبين شجرة العائلة. البشر في الوسط من مجموعة القردة العليا؛ ويوضح التضليل ما يوجد من زيف في وجهة النظر التقليدية عن مرتبة القردة العليا.
Gaps in the Mind_v2
لا يقتصر الأمر على أننا قردة عليا, فنحن أيضاً قردة عليا أفريقية ومرتبة “القردة العليا الأفريقية” مرتبة طبيعية ما دمنا لا نستبعد منها البشر تعسفياً. وفي الشكل التوضيحي التالي لا يوجد في المنطقة المظللة أي جزء منزوع منها نزعاً إصطناعياً زائفياً.
Gaps in the Mind_v22
ستجد أن أيا من القردة الأفريقية العليا التي عاشت بأي حال, بما فيها أنفسنا, يرتبط أحدها مع الأخر بسلسلة لا تنقطع من روابط الوالد – الطفل. يصدق الشيء نفسه على كل الحيوانات والنباتات التي عاشت قط, ولكن المسافات المتضمنة هنا تكون أعظم كثيراً. تطرح الأدلة الجزيئية أن سلفنا المشترك مع الشمبانزي قد عاش في أفريقيا منذ ما بين خمسة الى سبعة ملايين عام, بما يقرب أن يكون نصف المليون من الأجيال. وهذا ليس زمنا طويلاً بالمقاييس التطورية.
how-climate-change-effect-human-evolution_27212
تنظم أحيانا تظاهرات يمسك فيها ألاف من الناس أيدي بعضهم البعض, ليشكلوا سلسلة بشرية تمتد مثلاً من الساحل الشرقي الى الساحل الغربي للولايات المتحدة, وذلك لتأييد قضية أو عمل خيري. دعنا نتخيل تنظيم سلسلة كهذه تمتد بطول خط الأستواء عبر عرض قارة أفريقيا موطننا. وهذه سلسلة من نوع خاص تتضمن والدين وأطفالاً (وسيكون علينا أن نتحايل مخادعين الزمان حتى نتصور هذه السلسلة). سيقف واحد منا على شاطئ المحيط الهندي في جنوب الصومال وهو يواجه الشمال, ويمسك بيده اليسرى يد أمه اليمنى وتمسك الأم بيد أمها هي (جدتها) وتمسك الجدة بيد بيد أمها, وهلم جرا. وتتابع السلسلة طريقها أعلى الشاطئ, داخل أرض الشجيرات الخفيضة المسفوعة بالحرارة وغرباً متجهة الى حدود كينيا.
الى أي مسافة يكون علينا أن نذهب حتى نصل الى سلفنا المشترك مع الشمبانزي ؟ إنها مسافة قصيرة بما يثير الدهشة وإذا حسبنا ياردة واحدة لكل فرد, فإننا نصل الى السلف المشترك مع الشمبانزي بعد ما يقل ثلاثمئة ميل. نحن هكذا لم نكد بعد نبدء في عبور القارة؛ فما زلنا لم نصل بعد الى منتصف الطريق للأخدود العظيم. وتقف الأم السلف الى الشرق تماماً من جبل كينيا وهي تمسك بيدها سلسلة بأكملها من خط سلالتها, تنتهي بأول فرد يقف على شاطئ الصومال.
تمسك الأم السلف بيدها اليمنى أبنة لها هي الأنثى التي أنحدرنا منها نحن كلنا. والأن فإن الأم السلف الرئيسية تتحول جهة الشرق لتواجه الساحل, وتقبض بيدها اليسرى على أبنتها الأخرى التي أنحدر منها أفراد الشمبانزي (أو أنها بالطبع قد تقبض على يد إبن, ولكن دعنا نلتزم بالإناث تسهيلاً لنا). تواجه الأختان إحداهما الأخرى, وكل منهما تمسك أمها باليد. والأن فإن الأبنة الأخرى, أو الأم السلف للشمبانزي, تمسك بيد إبنتها, وتتكون سلسلة جديدة تتواصل لتعود متجهة للساحل. وتواجه إبنة الخالة الأولى إبنة خالتها الأولى, وتواجه إبنة الخالة الثانية إبنة خالتها الثانية, وهلم جرا. وفي الوقت الذي يحدث فيه للسلسلة التي أنثنت لتعود الى الوراء أن تصل ثانية الى الساحل, سنجد أنها تتألف من أفراد حديثة من الشمبانزي. وستقف الواحدة منا وجهاً لوجه مع الشمبانزي إبنة الخالة, وتتصل معها بواسطة سلسلة لا تنقطع من الأمهات اللاتي يمسكن بناتهن بالأيدي. لو سرنا بطول الخط كما يفعل قائد يفتش جنوده – سنمر عبر الهوموإريكتس (الإنسان المنتصب), والهوموهابيلس (الإنسان مستخدم الأيدي), وربما “الأسترالوبيثكس أفرانسيس”(إنسان الجنوب الأفريقي)  – مع المرور ثانية بطول الجانب الأخر (لا تطلق أسماء على التوسطات في جانب الشمبانزي لأنه, كما يتصادف, لم يعثر على حفريات لها), لن تجد في أي مكان أي تقطع صارم. فالبنات يشبهن الأمهات تماماً بمثل ما يشبههن دائماً شبها كثيراً (أو قليلاً). والأمهات يحببن البنات, ويشعرن بقرابتهن لهن تماماً كما يفعلن دائماً. وهذا المتصل الذي نتماسك فيه الأيدي ويربطنا ربطاً لا ينقطع بالشمبانزي, يبلغ من قصره أنه يجتاز بالكاد أرض ما خلف ساحل أفريقيا, القارة الأم.
Untitled-40010
عندما ترتد سلسلة قرودنا الأفريقية في الزمان للوراء منثنية على نفسها, فإنها تتخذ في الزمان شكلاً يشبه عند تصغيره شكل حلقة طيور النورس في المكان, فيما عدا أنه يصدف أن التوسطيات هنا تكون ميتة. النقطة التي أريد توضيحها, بمدى ما يتعلق بالمغزى, أن كون التوسطيات ميتة أمر ينبغي أن يكون عارضاً. ماذا لو لم تكن ميتة ؟ ماذا لو أن حفنة من أنماط توسطية ظلت باقية حية, بما يكفي لربطنا نحن مع الشمبانزي المحدثين في سلسلة, ليست فحسب من المتماسكين بالأيدي, بل سلسلة أفردا يمكنهم التزاوج معاً ؟ دعنا نتذكر هنا الأغنية التي تقول ” لقد رقصت مع رجل, قد رقص مع فتاة, قد رقصت مع أمير ويلز.” نحن لا نستطيع (إلى حد بعيد) أن نتزاوج مع أفراد الشمبانزي الحديث, ولكننا لا نحتاج إلا لحفنة من الأنماط التوسطية حتى نستطيع أن نغني أغنية تقول “قد تزاوجت مع رجل, وقد تزاوج مع إمرأة, قد تزاوجت مع شمبانزي”.
ومن محض الحظ أن هذه الحفنة من التوسطيات لم يعد لها وجود (هذا حظ حسن من بعض وجهات النظر: أما بالنسبة لي, فإني لأحب أن ألتقي بأفرادها). ولولا هذه الصدفة لكانت قوانينا وأخلاقياتنا مختلفة جداً. فلا يلزم إلا أن نكتشف قبيلة واحدة من التوسطيات وقد بقيت حية, ولنقل مثلاً إنها بقية من الأسترالوبثيكوس” توجد في غابة بودونجو, سنجد عندها أن نظامنا النفيس من المعايير والأخلاق سينهار إنهياراً يدوي في أذاننا. سوف تتهاوى متبددة كل الحدود التي نفصل بها عالمنا الى أجزاء منعزلة. وسوف يختلط التعصب العرقي مع التعصب النوعي في تشوش فظ شرير. وسيتخذ الفصل العنصري لمن يؤمنون به معنى جديداً وربما أهمية أكثر إلحاحاً.
وربما يسأل الفيلسوف الأخلاقي عن السبب في أنه ينبغي أن يكون هذا مما يهمنا؟ وعل كل أليس العقل التقطعي هو وحده الذي يريد إقامة الحواجز ؟ وإذن, فما أهمية أنه قد حدث في الخط المتصل لكل القردة العليا التي عاشت في أفريقيا, أن تصادف أن الباقيين أحياء يتركون ثغرة ملائمة بين البشر والقردة العليا؟ لا ريب أننا, في كل حال, ينبغي ألا نبني معاملتنا للحيوانات على أساس ما إذا كنا نستطيع أو لا نستطيع أن نتزاوج معها. إذا كنا نريد أن نبرر المعايير المزدوجة – أي إذا كان المجتمع بوافق على إن الناس ينبغي أن يعاملوا معاملة أفضل مثلاً من البقر (البقر يمكن طهيه وأكله, ولا يمكن ذلك مع البشر) – فإنه يجب أن توجد لذلك شروط أفضل من قرابة أبناء العمومة أو الخئولة. قد يكون البشر من وجهة نظر علم التصنيف, بعيدين عن البقر, ولكن أليس الأكثر أهمية أننا أكثر ذكاء ؟ أو أن البشر (بما هو أفضل), حسب جيرمي بنثام, يمكنهم الشعور بالمعاناة لحد أكبر. أو أن البقر, حتى إذا كانوا يكرهون الألم بنفس القدر مثل البشر (ولماذا بحق الجحيم ينبغي أن نفترض غير ذلك ؟) إلا أنهم لا يعرفون ما سيحل يهم؟ دعنا نفترض أن خط سلالة الإخطبوط قد حدث أن طور أمخاخاً ومشاعر تنافس ما لدينا. وهذا أمر يمكن أن يسهل عليهم فعله. مجرد وجود إمكانية لذلك يوضح الطبيعة العارضة لعلاقة قرابة أبناء العمومة. وبالتالي, فإن الفيلسوف الأخلاقي يتساءل عن السبب في التأكيد على وجود خط متصل بين الإنسان / الشمبانزي ؟
نعم لو كنا في عالم مثالي, سينبغي فيما يحتمل أن نأتي بسبب أفضل من قرابة أبناء العمومة حتى نفضل مثلاً أكل لحوم الحيوانات على أكل لحوم البشر. إلا أن الحقيقة المؤسية هي أن مواقف المجتمع الأخلاقية حالياً تكاد تعتمد كلياً على قاعدة التقطع “النوعاتية”.
لو أن أحدهم نجح في إنسان هجين من الشمبانزي/الإنسان, ستهز أنباء الأرض هزاً. سوف يثغو الأساقفة متشكين, وسوف يتفكر المحامون بإرتياح خبيث لما يتوقع سلفاً, وسيرعد السياسيون المحافظون, ولن يعرف علماء الإجتماع أين يضعوا حواجزهم الفاصلة. أما العالم الذي توصل لهذا الإنجاز فسوف يطرد من إستراحة الأساتذة بالكلية؛ ويلعن من فوق منابر الوعاظ وفي صحف الدرك الأسفل؛ وربما يحكم بموته حسب فتوى من أحد أيات الله. ولن تعود السياسة أبداً الى ما كانت عليه, ولا اللاهوت, ولا علم الإجتماع, ولا علم النفس أو معظم فروع الفلسفة. إن العالم الذي يهتز كل هذا الإهتزاز بحدث عارض كهذا من التهجين, لهو حقاً عالم نوعاتي يحكمه عقل تقطعي متغطرس.
hqdefault
قد حاججت أن فجوة التقطع بين البشر والـ”قردة العليا” التي نقيمها نحن في أذهاننا لهي أمر مؤسف حقاً. وقد حاججت أيضاً بأنه بأية حال, فإن الوضع الحالي لهذه الفجوة المقدسة وضع تعسفي, نتيجة لمصادفة تطورية. ولو كانت مصادفات البقاء والإنقراض مختلفة, لكانت الفجوة موجودة في مكان أخر. والمبادئ الأخلاقية التي تتأسس على نزوات من مصادفات ينبغي ألا تنال منا الإحترام وكأنها شكلت من حجر لا يزول.
science_is_interesting_by_1990patmorrison-d4ak4z4

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Post Bottom Ad

"أنا وأنت ننتمي لعائلة أكبر من أي دين"