يا الله، انهم يصلبونك ! قصة قصيرة - الملحدون التونسيون

اخر المواضيع

Home Top Ad

Post Top Ad

الاثنين، 25 سبتمبر 2017

يا الله، انهم يصلبونك ! قصة قصيرة



كانت تحدق فيهم بحنق ، تزدري ازدواجيتهم بنظرة يكتنفها الاستغراب ، كانت عاجزة عن التمييز بينهم ، كلهم متشابهون متطابقون حتى خالت نفسها تعيش في حلقة مفرغة من النسخ اللامتناهية ، بدوا لها في شكل قطيع اعمى يكتنفه السواد القاتم ، كل منهم يضع على جمجمته قناع الطهارة و الايمان ، قناع ترابي تقبع خلفه وجوه شاحبة منذ الاف السنين ، قناع التعالي عن الخطيئة الكبرى و السمو نحو الفضيلة .. رؤوسهم منكسة الى الارض وقد تشبثوا بالقيد خشية ان تنقطع السلاسل الحديدية ، كانوا يرهبون الحرية بشدة فالطيور التي تولد في القفص تعتقد ان الطيران جريمة ، لاحت لها صورة قائدهم في الافق ، كان ذكرا هرما بقضيب ضامر و عقل فارغ ، معصب العينين يقودهم بسلاسل من حديد نحو الهاوية ، رجل الدين خلفه بلحيته البيضاء التي علقت بها بعض من بقايا غذاء الامس ، جمجمته جرداء تكتسيها بضع شعيرات بيضاء ، لسانه حاد كالصوت و كلماته منتقاة بطريقة منمقة ، يمط شفتيه حين ينطق الراء بركاكة ، و تنبثق من فمه الايات المقدسة بسلاسة ، ثم ينظر إلى الجمهور بحذر خشية ان يكشف الاعيب الدراما الالهية عن خطا ، يخاف ان يتفطنوا لتفاهة السناريو فيصلبوه بدل المسيح .. وقفت امامهم ممعنة النظر الى ما وصلو اليه من بؤس و تعاسة ، الرداءة أصبحت الهواء الذي تتنفسه العامة ، و القبح دينا تقدسه الاف العقول المنطفئة .. رسمت على القيد اجنحة الحرية بحبر العصيان ، حطمت الصورة النمطية التي لقنوها اياها منذ الطفولة ، تمردت عن النسق السقيم و صرخت في الشارع بثدييها العاريين و نظرتها الموقدة كلهيب مستعر في أوجه ، شتمت رجل الدين ووضعت المقدس تحت قدميها و انشدت نغم تحررها من سرب القطيع ..
كان الحبل الغليظ مستقرا عند رقبتها عندما تفوهت بهذه الكلمات :" اين انت يا الله ؟! لقد البسوك رداء القداسة المبهرج و صوروك وحشا يقتل الثكالى و يعلق الاطفال من اهدابهم امام هفوات الجحيم ، صوروك قاسيا تلعن الحب ، تترصد بالعاشقين و لا تشبع من مناظر الدماء ، لقد صرخوا باسمك في الانفجارات و اقبح المجازر ، كلهم بك مؤمنون خوفا لا حبا فالرهبة و الحب لا يجتمعان قي قلب واحد ، و طمعا لا رغبة ، و اجبارا لا تخييرا ، كلهم مؤمنون يا الله ، مؤمنون ايمانا أعمى بوجودك ، مؤمنون بانك قادر على كل شيء رغم انك عاجز عن التحكم بتصرفات مخلوقاتك ، مؤمنون انك رحيم رغم تغاضيك عن الاف الفقراء و المشردين المرميين على قراع الطرقات ، يقولون انك عادل رغم انك قلت ان للذكور عليهن درجة ، يا الله ، ناقصة العقل و الدين تكلمك ، كيف لعرشك ان يهتز لقبلة صادقة بين مثليين بينما لا يتزعزع و لو شبرا واحدا امام الجواعى و ايتام الحروب ؟! اظن ان حبكك للسيناريو الالهي لم يكن محكما ، لتشهد انني كفرت بك ان كنت موجوداً ، فلتشهد رفضي لتملقهم الذليل ، لتشهد انني ارفض ان اقاد كقطيع الغنم و ان انحني امام المعبود .. تعال معي لتشرب نخب الكافرين فكلهم مؤمنون ، كلهم متشابهون ، اشهد انني تحررت من قيد العبيد .. آثرت ان اكون مجنونة في اعينهم بدل ان اكون مجرمة قي عيني ضميري ، اسحبوا هذا الكرسي من تحت قدمي .. فالموت ملاذي المحتوم ، فرحتي الأبدية و مأوايا الامن ، إلى الموت فالموت لحن التحرر .."
حدقت الابصار في الافق ، اشرئبت الاعناق و اشتدت الافئدة ، كثر الهمس هنا و هناك عن تلك المتمردة الفاجرة التي كشفت الاعيب الاله ، ثم لبسوا اقنعتهم الترابية ، رموا على اجسادهم الخرق السوداء المعهودة ثم مضوا في طريقهم كأن شيئا لم يكن و كأن رقصة الموت لم تحن ، مضوا و قد حضروا كفن الله في عقولهم ، كانت تلك الفتاة الرماد الذي اؤجج النيران ، اقتنعوا بانه مات تحت القناع ، الا انهم رفضوا الجهر بما يفكرون فالتفكير جريمة في عصر التلقين .. هكذا كان الحال اعواما قبل ان ثارت العقول ، اعوام قبل انزال الله من عرشه و صلبه تحت هدير الالاف من الثوار ثم ردمه في مقبرة النسيان ..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Post Bottom Ad

"أنا وأنت ننتمي لعائلة أكبر من أي دين"