من خلق الكون؟ - الملحدون التونسيون

اخر المواضيع

Home Top Ad

Post Top Ad

الثلاثاء، 27 مارس 2018

من خلق الكون؟

من خلق الكون؟ إذا كان الملحد عاجزًا عن الإتيان بجوابٍ علميٍ سليمٍ لهذا السؤال فلماذا لا يسَلِّم بالجواب الديني المقبول لدى الأغلبية العظمى اليوم؟ بل على الملحد أن يقبل بالجواب الديني لوجود عددٍ من العلماء الذين يؤمنون بأن الله هو العلة الأولى للكون.
فهل الملحد أذكى من علماء الفيزياء والكيمياء في العالم ليقول بأنهُ ليس هناك إله ويرفض في نفس الوقت الإجابة عن السؤال الذي أرهق كلَّ ملحدٍ في كل هذا العالم؟ هذا السؤال كان ولازال يتردد كثيرًا، لهذا رأيت أنَّه من الضروري الإجابة عليه بصورة واضحة.

السؤال عن كيفية وجود الكون مهمٌ فعلًا، ولا يستطيع المؤمن تجاهله عندما تدور أفكاره حول دلائل وجود الآلهة، وبشكلٍ خاص الإله الابراهيمي، موضوعنا اليوم. لكن، هل السؤال بهذه الأهمية التي يتصورها البعض لتحديد موقفنا من وجود الله أو حقيقة الأديان الإبراهيمية مثلًا؟ في حقيقة الأمر، لا.


السؤال عن وجود الكون سؤالٌ علميٌ بحتٌ مثله مثل أيِّ سؤالٍ آخر نبحث له عن جوابٍ، فهل لمرض الإيدز علاجٌ؟ هل هناك شيءٌ ما بعد حدود الكون؟ هل هناك أكوانٌ أخرى؟ هل هناك كائناتٌ عاقلةٌ مثلنا تعيش في كواكب أخرى؟ كل هذه الأسئلة أسئلةٌ مهمةٌ، ونبحث لها عن جوابٍ، طبعًا؛ لكن لا علاقة لها بموضوع الله لسببٍ بسيطٍ جدًا، وهو أنَّ وجود الله من عدمه لن يؤثِّر على النتيجة – وفي هذه الحالة وجود الكون. إذن لماذا يتم إلصاق مهمة الخلق بالله تحديدًا؟ ما هي الدلائل التي تشير الى أنَّ هناك عملية خلقٍ؟ وبأن الخالق هو الله تحديدًا دون كلِّ الآلهة الأخرى؟ ألا يمكن أنْ يكون سبب وجود الكون هو سببٌ طبيعيٌ جدًا موجودٌ في الكون ذاته ولا يحتاج إلى قوةٍ سحريةٍ عاقلةٍ لإيجاده؟ السؤال عن خلق الكون سؤالٌ قائمٌ على مغالطةٍ منطقيةٍ بحتةٍ، يحاول فيها السائل خداع عقل المتلقِّي من خلال افتراض وجود عملية خلقٍ، وكلُّ ما علينا هو العثور على الفاعل، وفي هذه الحالة يتم افتراضه الله. كما أنَّ اعتقاد بعض العلماء بوجود الله لا يعني بأنَّ الله موجودٌ، أو بأن الله خالقٌ، بل يعني فقط بأن هناك من يعتقد به فقط.

من ناحيةٍ ثانيةٍ، ما هي علاقة أصل الكون بالإيمان بوجود الله من عدمه؟ على سبيل المثال، لو اكتشف العلماء غدًا طريقة نشوء الكون، فهل سيتوقف المؤمن عن الإيمان بالله؟ أَلَن يبحث المؤمن عن فراغٍ علميٍّ جديدٍ يضع الله فيه؟ الطريقة سهلةٌ؛ لنتذكر بأنَّ الله في سالف الزمان كان يقوم بالملايين من الوظائف في الطبيعة، والتي تقلَّصت شيئًا فشيئًا مع اكتشاف العلم الحديث لأسباب سقوط المطر، وجريان السحاب، وشروق الشمس، وصوت البرق وغيرها الكثير.

في كلِّ مرةٍ نكتشف أنَّ سبب حدوث الأشياء هي قوانين الطبيعة البحتة، يتم دفع الله درجةً إلى الوراء، فيقول المؤمنون بأنَّ الله هو السبب وراء مسبِّباتها. وعندما يتم اكتشاف السبب وراء مسبباتها كذلك، يتم دفع الله درجةً أخرى للوراء وهلمَّ جرًّا. اليوم وصل الله إلى مرحلة أنه لا يفعل أيَّ شيءٍ أكثر من أن يكون السبب والعلَّة الأولى فقط. لكن، هل سيختفي الإيمان بالله لو عرفنا أنَّ سبب نشوء الكون هو سببٌ طبيعيٌ بحتٌ، وهو الأرجح علميًا؟ بالطبع لا، بل سيتم كالعادة دفع الله درجةً أخرى للوراء كي يكون هو السبب وراء السبب الأول كالعادة. الفكرة الدينية لا تجد حرجًا في حشر الله في كل الفراغات العلمية، لأنها بالأساس قائمةٌ على أنَّ وجود الله هو مسألةٌ بديهيةٌ، وعلى المؤمن التصديق بها دون أيِّ سؤالٍ. لذلك نجد المؤمن – ودفاعًا عن هذه الفكرة التي يجد نفسَه مجبرًا للإيمان بها – يسعى لخلق الأسباب لإيمانه، في كل فراغٍ علميٍ يخطر على باله. رجال الدين يدركون اليوم بأنَّه إذا لم تكن لله وظيفةٌ، أو غايةٌ، أو هدفٌ؛ فلن يجد المؤمنون سببًا للإيمان بالله أكثر من القصص والغرائب التي تمتلئ بها الكتب الدينية. وهذا في حقيقة الأمر لا يسقي ولايشبع من جوع جائعٍ اليوم بسبب ارتفاع مستويات التعليم.


ثالثًا فإنَّ الاعتقاد الشائع بأنَّ الملحد أو اللاديني أو اللاأدري يمتلك جوابًا لكل شيءٍ هو اعتقادٌ دينيٌ مغلوطٌ، ولا أساس له من الصحة. هذا الاعتقاد راسخٌ في عقل المؤمن بسبب اعتقاده الأزليِّ بالأجوبة السحرية لكل مجهولٍ يجهله. ولهذا يفترض المؤمن بأن هذا المجهول يجب أن يكون معلومًا لمن ينكر وجود الله. من هنا يتضح أنَّ الله في عقل المؤمن هو ذلك الفراغ الشاسع الذي يأتي بعد علامة الاستفهام في كل سؤالٍ لا يعرف إجابته. الله كان ولازال صورةً لجهلنا الإنساني، الذي يتقلَّص اليوم بفضل انتشار المعارف والعلوم. في الحقيقة فإنَّ رفض فكرة وجود الله لا علاقة له بقدرتنا على الإجابة على الأسئلة العلمية بقدر ما هي نتيجةٌ طبيعيةٌ عندما يكتشف الإنسان بأنَّ الأديان كذبةٌ تاريخيةٌ. يتزعزع الإيمان بالله عندما يكتشف الإنسان بأنَّه لا يمكن أنْ يكون هنالك إلهٌ حكيمٌ يخاطب كائناتٍ عاقلةٍ بهذه الطريقة المبتذلة في الأديان، بل الأديان في حقيقة الأمر تعتبر إهانةٌ للإله إذا افترضنا وجوده. لذلك وعندما تسقط الأديان، تصبح مسألة وجود الله ترفٌ فكريٌ بحتٌ. السؤال عن وجود الله يصبح لاسؤال، وينتهي غالبًا بأنَّ لا غايةً حقيقيةً أو سببًا منطقيًا للاعتقاد به. فعندما يُدرك الإنسان بأن الأديان صناعةٌ بشريةٌ يصبح وجود الله هامشًا غير مهمٍ، مثل كلِّ الأساطير التي سمعنا وقرأنا عنها في الحضارات السابقة. ويكون السؤال الذي يدور في عقل الإنسان عندما يتوقَّف عن الإيمان بالأديان: لماذا سأؤمن بقصةٍ أسطوريةٍ أخرى، عن إلهٍ غريب الأطوار، لا يمكن إثبات وجوده، ولا يستطيع أحدٌ الوصول له، او التواصل معه بأي طريقةٍ كانت؟ والأهم من هذا كلِّه، لماذا سأؤمن بإلهٍ ليس هناك أيُّ فائدةٍ من الايمان به؟



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Post Bottom Ad

"أنا وأنت ننتمي لعائلة أكبر من أي دين"